اخر الاخبار

الأحد، 3 مارس 2019

صلاح المختار 23 شباط : عقدة ام ردة ؟





23 شباط : عقدة ام ردة ؟

صلاح المختار

مرت يوم 23 شباط ذكرى ردة كانت من اخطر تحولات الوطن العربي الكارثية والتي مهدت لما نحن فيه الان ففي ذلك اليوم من عام 1966 وقع انقلاب دموي عسكري في سوريا قامت به مجموعة متنافرة من الحزبيين كانوا قياديين في الحزب والحكم واخطرهم وابرزهم حافظ اسد ،وادت للاطاحة بحكم البعث الشرعي وشق الحزب افقيا وعموديا واغتيال الكثير من البعثيين وتغيير توجهات التنظيم الذي استلم الحكم بعد تلك الحركة.ومن مخاطر تلك الردة انها جاءت بعد ان واجه الحزب ردة 18 -11-1963 في العراق التي اسقطت نظام البعث الفتي وهو لم يكمل العام الواحد فجاءت ردة 23 شباط في سوريا مصممة كما اكدت كل الاحداث اللاحقة لبث اليأس في نفوس البعثيين خاصة والعرب عامة من قدرة البعث على الحكم وتطبيق اهدافه الوطنية والقومية والاجتماعية. 
فردة تشرين في العراق وردة شباط في سوريا بهذا التدرج التطبيقي كانتا جزء من مخطط يقوم على منع بقاء البعث في الحكم وان وصل يجب اسقاطه بكافة الذرائع والطرق اذا لم توافق قيادته على شروط الغرب والصهيونية،والانكى في تلك الخطة هو ان تدمير البعث يجب ان يتم باسم البعث وهذا ما نفذه حافظ اسد. وكاتب هذه السطور احد الذين عاشوا تلك الفترة ثم شارك في احداثها من موقع ادنى ثم من موقع اعلى ،ولهذا فهو شاهد حي ومباشر على حقيقة ما طرح من شعارات ثم ما ظهر من حقائق واقعية تنقض بصورة صارخة تلك الشعارات ، فهو ليس قرأ وسمع بل رأي وعاش وشارك . 
فما هي حقيقة 23 شباط وطبيعتها كما تبلورت في الواقع وليس كما قيل او تمنى البعض ؟ 

1-قامت حركة 23 شباط على ادعاء انها (تمثل انتفاضة يسارية على القيادة القومية اليمينية) ! وكان اول نقض لذلك الادعاء اللجوء لاستخدام الدبابات لحسم خلاف داخل الحزب فالقيادة القومية لم تلجأ للعنف ولا منعت الجدل والنقاش ولا اقصت احد ممن اختلفوا معها في الرأي ومع ذلك قام حافظ اسد ومن معه بتلك الحركة الدموية واسقط سلطة البعث وحكم بالاعدام على القائد المؤسس الرفيق احمد ميشيل عفلق رحمه الله واغتال الشهيد صلاح الدين البيطار احد اهم مؤسس البعث وعشرات البعثيين الاخرين اضافة لمن كان شريكا اساسيا لحافظ في الردة. وهذا هو الاعتراض الحاسم والثابت على هكذا نوع من الحلول غير النظامية والتي تؤدي الى تفكيك منظومة الانضباط الحزبي وهو من اهم مصادر قوة اي حزب ثوري ومحافظته على هويته الاصلية فحالما يضعف الانضباط تبدأ بقية الخروقات الاكثر خطرا بالظهور .
2-الشعارات اليسارية لحركة 23 شباط ثبت انها غطاء لردة اجتماعية واقتصادية ووطنية وقومية في ان واحد وليست حركة يسار ضد يمين،فحافظ اسد زرع نظام فاسد حتى العظام اصاب النظام السياسي والدولة السورية وامتد الى بعض المجتمع بأفة سرطانية ادت الى تحول النظام الى ( مافيا ) فرضت سيطرتها على الاقتصاد السوري فاثرت عائلة الاسد واقاربه وادواته البشرية واحكمت عناصر من العلويين، بل من النصيريين تحديدا، قبضتها على الاجهزة الامنية والقوات المسلحة وصارت الطائفية احدى اهم سمات نظام الحكم وانهار القطاع العام امام زحف الفساد والرأسمالية الطفولية.
3-على المستوى االوطني سلم حافظ اسد الجولان لاسرائيل الغربية دون قتال بعد ان اعلن سقوطها بيد القوات الاسرائيلية في وقت كانت فيه القوات السورية موجودة ولم يتسلل جندي صهيوني واحد الى الجولان ، وبعد عقود تبين ان تسليم الجولان كان جزء من صفقة دعم وصول حافظ اسد للحكم وانفراده بالسلطة في سوريا كي يطبق مخططا صهيونيا غربيا.وحتى هذه اللحظة وبعد مرور اكثر من نصف قرن على احتلال الجولان لم يفسر نظام اسد الاب ولا ابنه لم اعلن عن سقوط الجولان وهي لم تسقط بعد ولم بقيت كل هذه الفترة بدون تحريرها؟
4-عندما اجتمع حافظ اسد بالرئيس الامريكي بيل كلينتون في جنيف عام 1994، قال كلينتون إنه حصل على تنازلين منه في ذلك الاجتماع هما "استعداده للاعتراف بإسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان، واستعداده للانسحاب من لبنان مقابل "حل شامل لمشكلة الشرق الأوسط". و بتاريخ 27/10/ 1994، ألقى حافظ اسد بيانا في ختام محادثاته مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في دمشق ، قال فيه : أعبر عن ارتياحي العميق لتطابق وجهات نظرنا حول أهمية تحقيق السلام الشامل على أساس قراري مجلس الأمن /242/ و/338/ ومبدأ الأرض مقابل السلام. لقد أكدت للرئيس كلينتون التزام سورية بعملية السلام وسعيها الجاد إلى سلام عادل وشامل، باعتباره خيارا إستراتيجيا . (شبكة الاسد نيت السورية الرسمية تحت عنوان: السلام في فكر و نهج الرئيس الخالد حافظ الأسد) .
5-ومن التفسيرات المهمة جدا لعدم اكمال حافظ عملية السلام وتردده هو ما قاله لبيل كلتنون اثناء لقاءه معه في جنيف من ان السلام لن يحل في الشرق الاوسط الا بعد حسم موضوع العراق الذي كان تحت الحصار ، اي انه قصد ضرورة اسقاط نظام صدام حسين قبل اقدامه على اي خطوة عملية على طريق (السلام )لانه يخشى فضحه من قبل العراق اذا اقدم على الصلح مع اسرائيل الغربية ،ولذلك كان اسد يطالب عمليا بانهاء نظام البعث في العراق كشرط للتطبيع مع اسرائيل الغربية . حافظ اسد بهذه التبدلات الرسمية في موقف سوريا انهى اي صلة له بالبعث لان البعث قام اساسا منذ تأسيسه على هدف مبدأي ثابت هو تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وكان ذلك اخر ما نطق به القائد الشهيد صدام. وهذا التبدل انهى مقولة (المقاومة والممانعة) فلمن يقاوم اذا قبل الاعتراف باسرائيل ؟ 
6-عندما استلم خميني الحكم قدم اسد المزيد من الادلة على خيانته القومية بعد خيانته الوطنية فقد عقد تحالفا ستراتيجيا مع نظام خميني ضد العراق الذي كان البعث يحكمه.ووصل تحالفه هذا مرحلة دعم حرب خميني ضد العراق بكافة السبل لاجل تحقيق النصر على العراق ،ولئن كان كل ما تقدم خطيرا فان جريمة حافظ اسد الاكبر بحق العراقيين والايرانيين والعرب عامة هي افشاله تطبيق قرار الصلح الذي اتخذه النظام الايراني بين العراق واسرائيل الشرقية فقد عرف بان النظام الايراني بعد وفاة خميني وهزيمة اسرائيل الشرقية في الحرب ويأسه من الحاق الهزيمة بالعراق قرر المصالحة معه فركب حافظ طائرة وغادر الى طهران بدون دعوة وهناك بقي عدة ايام يتجادل مع قادة النظام لاقناعهم بالتراجع عن قرار المصالحة مع العراق الى ان اقنعهم !!! وبذلك يكون حافظ اسد مسؤولا عن كافة كوارث العراق والعرب والايرانيين بعد تلك الواقعة ،فلو لم يقم اسد بذلك لتجنبنا ما حدث في العراق والوطن العربي عامة او اغلبه . وهذه الواقعة وثقها الشخص الثاني بعده في النظام مصطفى طلاس في مدونته على الانترنيت.
7-ولئن كان حافظ ابقى على شكليات الحزب مثل اسم البعث وتشكيلاته التنظمية على حالها تقريبا فان بشار تراجع ليس عن شكليات التنظيم فقط بل عن هويته القومية :فقد الغى الاطار القومي لتنظيمه رغم انه كان مجرد تسمية وحول بقاياه في بعض الاقطار الى تنظيمات مستقلة ،فضرب احد اهم سمات البعث وهو انه حزب قومي التنظيم ترجمة لعقيدته القومية.وعلى مستوى الهوية الوطنية والقومية فان بشار اعلن تخليه عن مفهوم المواطنة والانتماء القومي كما عرفه العرب واتفقوا عليه بتأكيده الرسمي أن سوريا "ليست لمن يسكن فيها بل لمن يُدافع عنها" في خطابه أمام النقابات وغرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة بتاريخ 26 تمُّوز 2015. وهذا الاعتراف ينهي مرحلة التستر باي غطاء وطني وقومي لانه يجعل الايراني والافغاني والباكستاني سوريا بينما يحرم اكثر من عشرة ملايين سوري هجروا من الجنسية السورية وهذه خطوة توجت خطوات حافظ اسد لانهاء عروبة سوريا وتحويلها الى كيانات هجينة ومعادية للامة العربية .
8-بعد الانتفاضة السلمية في عام 2011 قام بشار بممارسات اشد وحشية من ممارسات والده وعمه رفعت اللذان قتلا عشرات الالاف من السوريين ، فبشار بدلا من الاستجابة لمطاليب سلمية فتح النار وقتل العشرات ثم اخذ يشن هجمات عسكرية وامنية على المواطنين فنشبت اخطر الصراعات الدموية في التاريخ السوري ، واكمل جريمته بجلب اسرائيل الشرقية ونغولها العرب خصوصا حزب الله لقمع الشعب العربي السوري . واخيرا طلب من روسيا التدخل فكانت هي واسرائيل الشرقية من ابقى بشار في الحكم. 
9-ومن مظاهر فقدان الجيش السوري لهويته الوطنية هو مشاركته في الحرب ضد العراق في عام 1991 تحت قيادة القوات الامريكية ، مكملا بذلك مشاركته في الحرب الايرانية ضد العراق بين عامي 1980و1988 ، فهل يمكن القول بان هذا الجيش بقي جيشا عربيا وسوريا ؟ لقد حقق حافظ وبشار واحدا من اهم اهداف الغرب والصهونية وهو تدمير الجيوش الوطنية العربية .
اذا كتفينا بما تقدم وهو جزء من انحرافات وجرائم نظام اسد في عهدي حافظ وبشار فان السؤال الذي لايمكن تجاهله هو التالي : هل بقي هذا النظام يحمل اي سمة وطنية وقومية ناهيك عن السمة البعثية ؟ الجواب بالتأكيد هو كلا خصوصا وانه الان اصبح رسميا وعمليا تابعا لاسرائيل الشرقية اكثر مما هو تابع لروسيا وفقدت سوريا استقلالها الوطني . ولئن كان حافظ حليفا قويا لخميني ولرفسنجاني فان بشار تابع ذليل لخامنئي ولبوتين ، وهذه حقيقة يعرفها كل منزه عن الفساد الاخلاقي او الخيانة القومية .
وهنا نصل الى النتيجة الحقيقية لممارسات نظام اسد طوال نصف قرن وهي انه نظام ردة ليس داخلية اجتماعية واقتصادية فقط بل هو نظام ردة وطنية سورية عن الثوابت الوطنية وردة قومية عربية عن الثوابت القومية العربية وفي مقدمتها عدم الاعتراف باسرائيل الغربية ورفض الانبطاح لاسرائيل الشرقية ، فهل يمكن لنظام هذه مواصفاته ان يحسب ضمن الصف القومي او الوطني كي نفكر مجرد تفكير بالتصالح معه؟ان من يتحدثون عن (عقدة 23 شباط) وهي اطروحه تنفي وجود ردة ،ويدعون لتجاوزها انما يمهدون لردتهم العلنية بعد ان ارتدوا سرا كما يبدو من طروحاتهم،انهم بيادق متخفية تحركها المخابرات الايرانية ولكنها تتحرك تحت مسميات قومية عربية لانهاء اخر مظاهر الهوية القومية ، وهذا يفسر اسباب هجماتهم المركزة وبقوة على من يفضح خطط اسرائيل الشرقية .
Almukhtar44@gmail.com

24-2-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق