اخر الاخبار

السبت، 6 أبريل 2019

صلاح المختار نقد نظرية ترييف المدينة 1



نقد نظرية ترييف المدينة 1

صلاح المختار 


منذ التسعينيات تصاعدت موجة مضللة تتمحور حول نظرية غربية صهيونية قديمة تقول بان البدو عندما زحفوا من الريف الى المدن العربية وريّفوها – اي نقلوا تقاليد الريف الى المدينة – افسدوا المدن المتقدمة اجتماعيا وغيروا معالم الثقافة والسلوك في ردة عما حققته المدينة من رقي وتحضر!بل ذهب بعضهم الى تفسير انتكاسات العرب في نصف القرن الماضي وما قبله الى هيمنة ابناء الريف على المسرح السياسي العربي ف(غيروا ضوابط السلوك فيه وارجعوه الى ازمان التخلف وهيمنة العقلية الريفية فهزموا وفشلت برامجهم السياسية) !


 ولكي تكون الصورة واضحة فان كاتب المقال لم يعش في الريف وتشرب بقيم بغداد العريقة التي ولد ونشا فيها وتعمقت قيم المدينة لديه بانتماءه لحركة ثورية مدينية في خمسينيات القرن الماضي وقبل ان تبدأ الهجرة من الريف للمدينة . بديهي وكما في اغلب النظريات المشبوهة فان اصل هذه النظرية هو الغرب وخبراءه المجندين ليس لاظهار الحقائق التاريخية والاجتماعية وانما امرار ما يطلب منهم امراره من افكار ونظريات حتى لو كانت مجافية للمنطق وللحقائق وللتاريخ الواقعي،ولكن الجديد في التسعينيات وما بعدها هو ان بعض المثقفين العرب تلقفوها وسخروها لتفسير ما حدث في الوطن العربي من كوارث وتراجعات وردات خصوصا لاجل ادانة الانظمة الوطنية والتقدمية التي حكمت العراق ومصر حيث اتهم قادة البعث في العراق ونظام عبدالناصر في مصر بانهم نقلوا تأثيرات الريف الى المدينة واضعفوا ثقافة المدينة لصالح ثقافة الريف ! والسؤال الذي يزيح اغطية الاكاديمية عن النظرية ويحدد دوافعها الحقيقية هذه هو : لم صدرت هذه النظرية الينا ؟ 1-هذه الاطروحة وان بدت تتبرقع بلباس اكاديمي الا انها تخفي الهدف الحقيقي لها وهو منع رؤية تأثيرات الخارج على مسار التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية والاخلاقية واعتبار العوامل الداخلية السبب الوحيد لكل مشاكل تلك البلدان ..الخ منذ بداية القرن العشرين الذي شهد بدأ تنفيذ مخطط كولونيالي –صهيوني كانت محطاته الاساسية تبني الكولونيالية الاوربية مضامين ستراتيجية المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في سويسرا في عام 1897 بعد اكتشاف النفط في الوطن العربي فتقرر جعل فلسطين وطنا لليهود بعد ان كانت عدة مناطق مرشحة لذلك لكن اكتشاف النفط رجح فلسطين ،وتقرير بنرمان ووعد بلفور وسايكس بيكو ..الخ . فهذه النظرية ليست سوى احدى وسائل اعادة تركيب وعي الناس خصوصا النخب المثقفة بحيث تتبنى ما يصدر لنا من نظريات تفسر اوضاعنا رغم انها مضللة وضالة فتفقد القوى الشعبية البوصلة في التحليل وتتبنى كل ما يسهم في زيادة التضليل وتهميش الحقائق الواقعية . 2-النظرية تقول بان البداوة التي تسللت للمدن هي سبب مشاكل البلدان النامية خصوصا العربية التي تعرضت لطغيان تقاليد وقيم البداوة على الكثير من الحواضر العربية وهي مراكز التمدن والحضارة الحديثة فتسببت في التخلف والازمات الدورية واضطراب القيم والمفاهيم . واذا كان هذا صحيحا دعونا نفسر لم تميزت سياسات امريكا العالمية القائمة على الغزو الرسمي ،وهي من السمات التي الصقت بهوامش البداوة والقبلية ،رغم ان امريكا بلد تجاوز القبيلة بل والعائلة ايضا وانغمس في حياة ما بعد الحداثة وهي حياة مدينية متحللة من اغلب قيود المجتمعات التقليدية ؟ ولم تبرعمت وازدهرت الجريمة المنظمة في اخطر اشكالها حول حواضر الغرب ولم تتمحور حول تقاليد البدو ؟ ومن مارس ابادة الملايين البدوي ام المتحضر ابن مدن التقدم الحديث ؟ ومن كان ومازال يرفض التقيد باي قانون وقيم انسانية ويفرض على العالم بالقوة والاكراه ما يريد المتحضر الغربي ام البدوي؟ وماذا فعلت اوربا وامريكا بالعالم طوال عقود من عصور الغزو الاستعماري والامبريالي ؟ هل كانتا تنشران رسالة اخلاقية ام تنهبان فقراء العالم وتزيدان جوعهما وتخلفهما وتنشران الامراض النفسية والاجتماعية والفقر والعوز ؟ اترك الجواب لكم . 3-الحواضر الراسماليه تسببت بحصول ابشع كوارث الجنس البشري المعروفه في التاريخ الانساني كله وليس البدو سواء كانوا في هوامش البداوة وهم من مارس النهب ، ام في قلبها وهم اصحاب القيم الراقية،فمنذ صعدت حواضر اوروبا خصوصا بريطانيا وفرنسا واسبانيا وبلجيكا وغيرها ثم طغت امريكا ،بدأ العالم يشهد مسلسل كوارث غير مسبوقه بعدد الضحايا ونوعيه العذابات الجماعيه وابادة شعوب كامله: اباد البيض اكثر من 112 مليون من الهنود الحمر سكان امريكا الاصليين! مثلما اباد البيض اكثر من مائة مليون اسود غرقا او مرضا او نتيجة لاساءة معاملتهم اثناء نقلهم الى امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية بعد اصطيادهم مثلما يصطادون الحيوانات،وكان البيض وليس البدو من دشن عهد استخدام السلاح النووي وهو اخطر اسلحة الابادة الشاملة ضد اليابان ، وسجلت امريكا انها شنت اكثر من 50 حربا وهو اعلى رقم في تاريخ الحروب رغم ان عمرها اكثر قليلا من مئتي عام . 4- ولم يقتصر الهدف المرسوم على ما سبق بل تعداه الى تعمد الغرب تحطيم القيم الانسانيه التقليديه عامه،فحيثما حل الغرب مستعمرا بلدا ما حتى يظهر الفساد والتشرذم الاجتماعي بزرع الفتن الطائفية والعنصرية والمناطقية ودعم الفاسدين او المستعدين للافساد ، فالبيئة التقليدية للعالم الثالث والتي كانت مستقرة ومنسجمة مع درجة تطور شعوبه ،وكانت مريحة نسبيا ،غيرت عمدا ونسفت قواعدها التكوينية فانهارت المجتمعات وحلت الفوضى وضياع القيم والبوصلات،وهذا المخطط شمل البدو الذين تعرضوا لاسوأ تأثيرات الغرب الرأسمالي،والمثال هو ما حصل للكثير من بدو الخليج العربي . حواضر اوروبا مثل لندن وباريس ومدريد وغيرها التي انجبت امريكا وان كانت تبدو اقل ميلا للجريمه المنظمه الا ان نزعه الجريمه المنظمه كانت متجذرة في اعماقها تحت غلاله شفافه من القانون والتحضر وحقوق الانسان مثلا لكنك ما ان تحك هذه الغلالة حتى ترى تحتها وحشا يبتسم لك قبل ان يفترسك بلا رحمه! 5-ما اكدناه ليس اتهاما ابدا بل هو اقل من الواقع بكثير فقط انظروا لما فعلته امريكا واوربا بنا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي سترون من هو الوحش الاكثر قسوة وفسادا وتخريبا في كل التاريخ الانساني : انها اوربا التي دشنت بداية عصور القسوة والانانية المفرطة وتبعتها امريكا لانها امتدادها الطبيعي ولكن المرضي، الامر الذي جعل اوربا – مع استثناءات لاسباب ستراتيجية خاصة - اول من ايد امريكا في جرائمها في فيتنام والعراق وافغانستان ويوغسلافيا، والان في العراق مره اخرى واضيفت سوريا واليمن وليبيا. اوروبا المتحضرة التي تحكمها قيم الحواضر الراسماليه الغربيه هي الشريك الكامل الشراكة لامريكا في اشنع جرائم كل العصور ، ويكفي ان نشير الى ان كارثة ليبيا مثلا من صنع اوربي،خصوصا فرنسي ،نيابة عن امريكا وبالاصالة عن نفسها! ناهيك عن الدعم او التواطؤ مع غزوات امريكا.فهل ما اجبر قادة الغرب هو تقاليد البداوة ام اليات الرأسمالية وثقافة ما بعد الحداثة ؟ يتبع . Almukhtar44@gmail.com

 6-4-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق