اخر الاخبار

الجمعة، 12 أبريل 2019

أنيس الهمامي - تونس الرسائل البعثية في الذكرى النيسانية.. من وحي خطاب الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم في ذكرى تأسيس البعث العربي الاشتراكي الثانية والسبعين



بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

الرسائل البعثية في الذكرى النيسانية.. من وحي خطاب الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم في ذكرى تأسيس البعث العربي الاشتراكي الثانية والسبعين 

الجزء الثاني 

أنيس الهمامي - تونس 

جاءت الرسالة الثانية من الخطاب التاريخي بمناسبة الذكرى 72 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، في مستهل حديث الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم، لتعيد التذكير بظروف التأسيس وغاياته وأهدافه، ولتعيد التعريف بالبعث وعرض أهم أسسه وركائزه. 

ولم يكن ذلك التذكير نمطيا تقليديا، بل إنه قدم تفصيلا شاملا وشرحا دقيقا اختزل فيه القائد فلسفة البعث ومشروعه النضالي العام ومنهاجه الاستراتيجي الشامل، وانتقى للغرض مفردات ومصطلحات موغلة في العمق والبساطة والثراء في الوقت نفسه، وأضاف إليها مسحة ندية من التلقائية والمصداقية والأصالة والسلاسة والدلالية ناهيك عن التماسك والتسلسل المنهجي المرن، وذلك مراعاة لمن تتوجه لهم تلك الرسالة. 

فلقد انقسم المخاطبون هنا إلى قسمين أساسيين هما جماهير الأمة العربية بصفة عامة سيما الشباب باعتباره نبض الشعب وروحه الوقادة ولكونه يشكل نسبة مهمة من المجتمع العربي، والجهاز الحزبي ومناضلي البعث بطبيعة الحال. 

ولا بد هنا من التفطن لما يروم الخطاب ويهدف إلى تحقيقه من وراء الانطلاق بالتعريف بالبعث وبمبادئه وعقيدته النضالية وبطابعه الرسالي الإنساني وبمسيرته الملحمية الكفاحية الجهادية على امتداد 72 عاما بالتمام والكمال. 

فالرفيق القائد عزة إبراهيم يدرك أكثر من الجميع ما تمر به الأمة من ظروف عصيبة، ويقيم أفضل من غيره ويستشعر الخطوب المدلهمة التي تعصف بها وتكاد تجرفها لمنزلقات مأساوية، وبالقدر ذاته يعي وعيا متفردا بأن لذلك تداعيات خطيرة على الإنسان العربي، خاصة على الصعيد النفسي وثقته بذاته، وهو ما من شأنه أن يضرب تصميمه وعزائمه في مقتل، وقد يتعداها لما هو أبعد فيصل الإحباط بالعربي المحاط ببحار الدماء والغارق في صراعات ملتهبة لا تنتهي فرضت عليه قهرا وعنوة وتسلطا وظلما وعدوانا، ويعانق مدايات مفزعة لحد اهتزاز شعوره بالفخر بالانتماء لهذه الأمة في وضعها الحالي. 

كما يعلم الرفيق القائد أن الغالبية العظمى من الشباب المكون للنسيج المجتمعي العربي لم تتلق تكوينا تربويا وإعدادا نضاليا سليما، ولم تعش وقع انتصارات عربية مهمة، بل إنها ترزح تحت قصف يومي تكابد فيه حمم بث الهزيمة النفسية وتعميم اليأس وتثبيت حقائق مكذوبة رسخها الأعداء والمتعاونون معهم ومفادها ألا مجال لنهضة عربية، ولا مكان للعرب اليوم في الساحة العالمية ولا حظ ولا قدرة لهم على انتزاع مكان تحت الشمس، بل إنها - أي الشرائح الشبابية الواسعة - تتعرض يوميا لسيول من الأكاذيب والتلفيقات وقلب الحقائق على جميع الأصعدة، فتتم عملية تزييف التاريخ العربي المشرق بلا انقطاع وبشكل خبيث جدا ومدروس، كما يجري التركيز على اقتطاع أحداث معينة أو حقبات بذاتها من سياقها الزمني وتجريدها من ظروفها المحيطة ذاتيا وموضوعيا، وإظهارها على أنها حقائق مطلقة، وأنها لا تستحق سوى أن يتبرأ منها الشاب العربي ومن ثم يتبرأ من عروبته ومن هويته. 

لذلك، اقتضت الضرورة وحتمت الحاجة، أن تعدل الكفة، وأن يقوم الاعوجاج، وأن تعرى الأكاذيب، وأن تكشف مخططات الأعداء لطمس العروبة واجتثاثها وتفسيخها. كما كان لزاما أن يخاطب الشباب العربي بما هو جدير به أولا، فكانت المصارحة بحقيقة الواقع بعيدا عن التجميل والمغالطات، كما اقترن ذلك باستعراض شرح علمي رصين ومستفيض لماهية العروبة وكينونتها وجوهرها وتاريخها وفعلها الحضاري وللدور الرسالي المناط بعهدتها، وهو ما جعلها عصية عن التركيع والفناء والتلاشي والاضمحلال رغم تتالي المحن التي تعرضت لها منذ الدولة العباسية ولغاية اليوم. 

فمن شأن هكذا خطاب عقلاني هادئ رصين منطلق من الواقع ومسنود إلى التاريخ ولجوهر العروبة متطلع إلى إجهاض رهانات الدساسين والمتآمرين عليها، ساعي لإعلاء رايتها، عامل على تخليصها من الأهوال التي تمر بها وبالتالي استرجاع عافيتها لتنطلق في ممارسة أدوارها الرسالية الإنسانية السامية، أن يغرس لقاحا نفسيا فعالا قادرا على إعادة ضخ روح المبادرة والتوثب والتحفز وخاصة إحياء جذوة الانتماء والاعتزاز بالعروبة لدى شباب جماهيرها فهم سواعدها الضاربة وعقولها المفكرة ولا ريب، وبهم يسهل على الأمة العبور لضفاف الأمان ثم البدء في البناء والتعمير، شرط توضيح الأمور وتفكيك مجرياتها وتأصيل أسبابها ونحت معالم الخلاص. 

وهي رسالة موجهة أيضا للجهاز الحزبي ولا ريب، ولا يحتاج هذا لتفسير أو تشريح لأنه من البديهيات، حيث من الطبيعي جدا أن يكون الخطاب منطلقا من البعث وإليه، قيادات ومناضلين في الوطن العربي وفي المهجر، ليرشد الفعل البعثي ويوجهه لما ينبغي ولتبويب المهام وأيضا لمزيد الدفع بمناضلي الحزب لمزيد من التراص والتماسك والثبات والصمود والتحدي ومضاعفة الجهود والتضحيات، لأن قدرهم أن يرودوا الفعل العربي سيما المقاومة والتعبئة والتحريض والاستعداد والإعداد لحرب التحرير الشعبية الشاملة. 

حملت الرسالة الثانية إذن، تعريفا دقيقا شاملا بالبعث، وبدواعي التأسيس وظروفه وأسبابه وبما انطوت عليه مسيرة ذلك التأسيس وما قامت عليه. 

فلقد تأسس البعث على يد كوكبة طلائعية من أبناء الأمة، سماهم القائد بالفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم هدى، يحدوها عزم قوي للثورة على واقع الأمة المريض، وحاملة لهموم الأمة وآلامها ومعاناتها وآمالها على أكفهم وفي قلوبهم، فجاء البعث متماهيا مع أمته، معبرا عن حالها وتطلعاتها، متشربا لأوجاعها، مدركا لمحنها ومكابداتها ومشاقها، فكان التزامه بالتغيير وبالثورة وبالانقلاب على ذلك الواقع الفاسد المتخلف التزاما كليا وصارما، وكان تعهده بالسير على منهج الرقي بالعرب واقعا وحالا، تعهدا لا لبس فيه ولا مخاتلة، فكان البعث توقا لكسر الطوق عن الأمة، وسيفا مشرعا على أعدائها، وكان سفينة الإنقاذ لشعبها وسفينة العبور لضفاف السيادة والتحرر والحرية والعدالة الاجتماعية. 

ولقد ركز الرفيق القائد في رسالته الثانية للجماهير العربية ولمناضلي الحزب، تركيزا عاليا على الجانب الإيماني في البعث، وهو الإيمان المطلق بالله، والإيمان بحقوق العرب، والإيمان بقدرتهم على النهوض من الكبوات باستمرار مهما تراءت غير قابلة للتجاوز. 

ولقد قنن الرفيق القائد عزة إبراهيم إيمان البعث بالله، وضبطه ضبطا دقيقا، إذ أنه إيمان فطري سوي سليم، لا يتأتى من التوارث الأعمى من الآباء للأبناء فالأحفاد فقط، بل هو قائم أساسا على العلم والوعي والمعرفة، ومكتسب بالجهاد الأكبر وبالتضحيات الأوسع ذلك أنه ثمرة نضال وكفاح وجهاد، وقطاف مسيرة مميزة من الأداء البطولي والصمود في ساحات مقارعة الباطل والجبروت ومجاميع الشر العالمية الطاغية الباغية الغازية، وإن الإيمان في البعث مسلمة لا نقاش فيها، فالإيمان بالله في ترابط عضوي وفي علاقة جدلية مع البعث لا تنفصم عراها، وهو مقرون بالبعث، كما اقتران البعث به، وذلك بالنظر للطبيعة الاستثنائية لحزب البعث المميزة عن جميع الأحزاب في الوطن العربي وفي العالم، وأيضا للأدوار والمهام الملقاة عليه والتي فرضها على نفسه بنفسه. 

فالبعث ليس مجرد حركة سياسية تحتكم في جوهرها إلى معادلات السياسة البراغماتية وإلى قوانين الربح والخسارة، تتبدل مواقفها وتتجدد مبادؤها وتتكيف مع المتغيرات. لكنه حركة ثورية قومية عربية تحررية إنسانية، تنطلق من هواجس أمتها ومصالحها، وتعنى بشدة بحمايتها وتحريرها من الاستعمار والاستغلال والاضطهاد. ولا تكتفي بذلك، حيث أن أهداف الوحدة والحرية وإقامة المجتمع العربي الاشتراكي القائم على العدل والمساواة هي في حد ذاتها أهداف من بين أهداف أكبر وأعمق وأخطر وأبعد مدى، وهي الأهداف المقترنة والمرتبطة بطبيعة الأمة العربية، وهي تلك الأمة التي اختارتها الإرادة الإلهية لتكون خير أمة أخرجت للناس، وهي تلك الأمة التي حملت دوما وتحمل رسالات السماء إلى الأرض وتقود مسيرة الإصلاح والتغيير والتجديد. 

فالبعث إذن يعلو فوق جميع الأحزاب السياسية مبادئ وأهداف ورسالات وأدوار، ويتسامى عليها غايات ومجالات وأحداثيات زمانية ومكانية، ويستمد ذلك من تسامي الأمة العربية على غيرها من الأمم من حيث تشريف الله لها وتكليفها أيضا بما لم يكلف به غيرها. 

والبعث إنما لا يدعي ذلك ولا يتقوله ولا يرفعه شعارات استهلاكية، بل إنه آمن ويؤمن وسيبقى مؤمنا به إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. 

وهو لا يحيد عن هذه المهام والأهداف والمبادئ العظيمة، لذلك جاء البعث منذ إشراقته الأولى، حزبا رساليا إنسانيا، يدرك رسالة العرب للعالم وللإنسانية، وهو ما دفعه للنضال وللمكابدة في سبيل بعث الروح مجددا في أمته أمة الرسالات، لأنها لن تتمكن من تأدية دورها الأسمى ومهمتها الأغلى ما لم تكن هي في ذاتها حية صامدة متوفرة على عناصر الفعل والحركة والمبادرة والعطاء. 

وطابع البعث الإنساني أمر مفروغ منه إذا ما فهمنا دوره وطابعه الرسالي، فهو ينهل منه، وهو سليله، وهو مكمله والمعبر عنه. فالبعث الرسالي، ابن الأمة العربية الرسالية، وحامل رسالتها الخالدة إلى الإنسانية، لن يكون إلا إنساني الرؤى والتصورات والمنطلقات والغايات، لذلك آمن البعث بالإنسان العربي وبحقوقه، ولم ينغلق عنده انغلاق غيره من الحركات القومية الشوفينية العنصرية، ذلك أن الإنسان العربي في البعث وإن كان محورا أبرز في محاور النضال البعثي، إلا أنه يبقى عنصرا من عناصر الإنسانية، لا يختزلها ولا يحتكرها رغم مركزيته. لأن البعث يعتبر الإنسانية مجموعا بشريا وإنسانيا متكاملا متضامنا في أهدافه وتطلعاته وأدائه وعطائه، ومشتركا بل متوحدا في أغلب مفرداته وقيمه وثقافته. كما يؤمن البعث بأن العرب جزء مهم من ذلك المجموع الإنساني البشرية، يتعاون معها وينفتح عليها، يقدم لها ويأخذ منها. 

إنه بفهم هذه الرؤية البعثية، وإن بإدراك هذا الطابع الإنساني والرسالي للبعث، يمكن فهم مبادئه وأسسه وركائزه التي عرضها الرفاق المؤسسون وبنوا عليها حزبهم حزب الأمة العربية حزب الرسالات: حزب البعث العربي الاشتراكي. 

فما هي مبادئ البعث وأهدافه كما فصلها الرفيق القائد في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى 72 لتأسيس الحزب؟ 

وما مدلولات التركيز التالي على معاودة طرحها لجماهير الأمة العربية ولمناضلي الحزب؟ 

يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق