اخر الاخبار

السبت، 27 أبريل 2019

جومرد حقي إسماعيل الدروس الفوائد ... في استشهاد القائد الدرس الثلاثون ( المشاهدة )



الدروس الفوائد ... في استشهاد القائد 
الدرس الثلاثون ( المشاهدة )

جومرد حقي إسماعيل

المشاهدة مقام من مقامات الترقي عند الصوفية ، وهو من درجات المحسنين وهي أعلى درجات عين اليقين ، وهو مقام يجعل المرء أن يعبد الله كأنه يراه كما جاء في حديث النّبي محمّد ، صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، القائل (( الإحسان ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .
وقال الجنيد البغدادي ، قدّس سرّه ، في معنى المشاهدة : وجود الحق مع فقدانك ، أي يُمحى وجودك المادي في تجلياتك الروحية مع أنوار الحضرة القدسية .
وقال عمرو بن عثمان المكي ، رحمة الله تعالى عليه ، في المشاهدة : أنها تتوالى أنوار التجلي على قلب العبد من غير أن يتخللها ستر وانقطاع .
وقالوا في المشاهدة : هي مقام حاصل من معاينة آثار أسمائه وصفاته تعالى في الكون ، بحيث يترتب على ذلك تنور القلب وتعلقه بالرب .
وقد أحسن من قال 


ليلــــــي بوجهــــك مشـــــرق ... وظلامه فِي النَّاس ساري
والناس فِي سدف الظلام ... ونحــن فِي ضـــــــوء النهـــار
وقيل في المشاهدة :
وجودي أن أغيب عن الوجودِ * بما يبدو عليَّ من الشهـودِ
مقدمتنا هذه لتبيان الحال الذي كان عليه قائدنا الشهيد ، صدام حسين المجيد ، قًدّس سرّه ، وهو على منصة الشهادة ومقام المشاهدة ، وقد استدلينا على ذلك بتلك الابتسامة التي حيرت وأذهلت العالم ، ورباطة الجأش التي سار بها إلى منطلق الشهادة فوفقه الله تعالى ليكون آخر كلامه " لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله " وليوافق قول نبينا محمّد ، صلّى الله تعالى عليه وسلّم (( من كان آخر كلامه ، لا إله إلا الله ، دخل الجنّة )) .
لقد تجلى مقام المشاهدة عند القائد الشهيد من حيث انقطاعه عمن حوله وهو في حالة التجلي في رؤية أنوار الحضرة القدسية ، ودليلنا في ذلك أن المجرمين الذين كانوا حوله ما استطاعوا منعه من قول الشهادتين ، فجسد القول :
وجودي أن أغيب عن الوجودِ * بما يبدو عليَّ من الشهـودِ
نعم ، المتتبع لحياة القائد الشهيد في الدنيا سيوقن أنه كان في درجات الإحسان بأعلى مقاماتها ، وتفاصيلها كثيرة ، ومنها ، أنه ما استعان يوماً بغير الله حتى في أخذه بالأسباب قد كان يأخذها متوكلاً على الله مولى المؤمنين ، وقد عُرضت عليه الدنيا كما عُرضت على جده المصطفى ، صلّى الله تعالى عليه وسلّم ، فكان حاله داخل في قول الله تعالى { وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .
وهكذا ، وقف القائد الشهيد على منصة الشهادة وهو في حال المشاهدة وتجليات أنوار الحضرة القدسية ، وكأن الله تعالى أراد أن يجعل ذلك المشهد آية من آياته وليكون الشهيد آية للناس ولمن خلفه من رفاقه في طمأنينة القلوب بحُسن الخاتمة ، وما ذلك إلا برحمة من الله وترقي العبد إلى مقام المشاهدة وأن يعبد الله كأنه يراه ، يراه في معاملته مع الناس ، يراه في أهله ، يراه في عمله ، يراه في ذاته { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } .
هذا هو قائدنا الشهيد ، معلمنا في الحياة الدنيا ، ومعلمنا وهو يغادرها إلى دار الخلود ، يقف على منصة الشهادة والمشاهدة ليقول لنا : يا رفاقي ، ارتقوا في فعلكم الجهادي واجعلوا من سمو أرواحكم أن تصل حال التجليات النورانية واثبتوا في مقامات الإحسان ومقام المشاهدة ، فإنكم منتصرون على أعدائكم حتى في لحظات استشهادكم ، حيث أن الشهيد يُدرك الحسنيين بفضل من الله ورحمته ، اثبتوا في مقامات التجلي فإنها مفاتيح النصر والفتح المبين ، وليكن يقينكم بالنصر حاضر وهو يقينكم بالله تعالى وحسن الظن به سبحانه ناصر المؤمنين ، من كان تواقاً لما أكرمني الله تعالى به ، فليعمل في مقام المشاهدة حتى ينال الشهادة .
والله أكبر ، وليخسأ الخاسؤون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق