اخر الاخبار

السبت، 27 أبريل 2019

صلاح المختار نقد نظرية ترييف المدينة 3


نقد نظرية ترييف المدينة 3 

صلاح المختار 

2-كيف ولماذا غلب الغرب المتحضر الجوانب السلبية في قيم البداوه وتقاليدها ؟ الاسلوب الاول الذي اتبعه الغرب لتحقيق ذلك كان اعتماده على سياسه (فرق تسد) التي ابدعت في تطبيقها بريطانيا حينما كانت امبراطوريه لا تغرب عنها الشمس وشاركتها في ذلك فرنسا وبلجيكا واسبانيا وغيرها، ثم تبعتهم امريكا بعد تراجع الدور الاوربي ،وظهر ذلك في فتوحاتها العسكريه في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينيه، وكان الاسلوب الرئيس للاستعمار الاوروبي هو اثاره النعرات القبليه والعرقيه والجهويه والطائفيه وغيرها، واعدوا لهذه المهمة جواسيس دربوا لسنوات وبعثتهم بريطانيا وغيرها للاختلاط بالعرب بدو وريفيين وحضر ونشر افكار وممارسات ورزع بذور نبتات الفتن والتناقض. في الهند اشتهرت مقولة غاندي ( اذا تقاتلت سمكتان في البحر فتأكد ان بريطانيا خلف عراكهما ) فقد كان رجال بريطانيا بمختلف مستوياتهم يحولون الخلافات الدينية والطائفية والعرقية والطبقية الى عوامل صدامات دموية بين الهنود ووصلت لدرجة ان القادة البريطانيين في الهند كانوا يمارسون الطقوس الدينية تارة مع الهندوس وتارة اخرى مع المسلمين وفي الحالتين كان هدفهم اشعار كل طرف بان بريطانيا قريبة منه وانها تدعمه ضد الاخر،

 وهذا الاسلوب لم يتغير في القرن الحادي والعشرين بل مارسه بعض مبعوثي الامم المتحدة في العراق بعد غزوه فرايناهم يقومون بزيارة المراقد الدينية في النجف وكربلاء ويتضرعون امام القبور كأنهم من اهل النجف ! وذلك ليس دافعه الايمان بدين او طائفة بل تشجيع السذج على تعميق طائفيتهم وتمسكهم بكافة الاساليب التي تعمق الصراعات الطائفية، رغم ان بعض هؤلاء الاوربيين يمارس ذلك مقابل رشا مالية . وفي بلاد فارس _ وسميت ايران لاحقا - كانت بريطانيا هي الحاضنة للمرجعيات الشيعية وغذتها طوال عقود كي تتعمق الفتن بين الفرس والعرب ولكن تحت غطاء طائفي ، ويلاحظ ان اغلب رجال الدين في اسرائيل الشرقية والعراق اصولهم ريفية محافظة .وعندما دخل الاستعمار البريطاني العراق اخذ يتقرب لشيوخ العشائر ورجال الدين ويتظاهر رجالاته بانهم اكثر من المسلمين سنة وشيعة حرصا على الاسلام وطقوسه! ونصبوا الشيوخ الزائفين حينما رفض الشيوخ الحقيقيين الرضوخ لطلبات بريطانيا وفرضوا من هم اقل شأنا من الشيوخ الاصليين او من هوامش العشيرة فنتج عن ذلك صراع داخل العشيرة وانقسمت بين تابع للشيخ الاصلي وبين الشيخ المدعوم من بريطانيا، وكانت تلك بذرة انتهازية كثير من الشيوخ . وقوت جهدها التقسيمي للمجتمع هذه المرة طبقيا فقدمت بريطانيا رشا كبيرة لشخصيات عراقية مثل قطع الاراضي الزراعية والعقود والوكالات التجارية او المناصب العليا لاجل خلق طبقة او شرائح مرتبطة مصلحيا ببريطانيا، فتغيرت طرق تفكير من حصل على تلك المكاسب بينما بقي الاخرون على طريقتهم التقليدية وكان ذلك سببا اخرا من اسباب التشرذم والتناحر . واعادت بريطانيا رسم الخارطة السكانية بطريقة خبيثة حيث شجعت شيوخ العشائر او ابناءهم على الانخراط في العمل السياسي وفي البرلمان والحكومة والجيش واعطت منحا دراسية في بريطانيا للابناء فظهرت فئات متغربة مع انها مازالت تحت تأثير قوي لتربيتها الاصلية الريفية والبدوية ، وهذا احد اهم اسباب ازدواجية الشخصية . وما فعلته بريطانيا فعلته فرنسا وبلجيكا واسبانيا وغيرها من الدول الاستعمارية الاوربية وامريكا لان فرق تسد هي القاعدة الذهبية للسيطرة وتفتيت قوة الشعوب وقاعدة هذه القاعدة هي البحث في تقاليد البلد للعثور على عوامل التشرذم الكامنة واحياءها وصب الزيت عليها .وفي اليمن وبعد اسقاط النظام القرون اوسطي الامامي تدخل الغرب بقوة وبكافة اطرافه الفاعلة لاجل منع قيام دولة وطنية في اليمن تسمو فوق القبلية والمناطقية وتحل محل سلطة القبيلة، مستخدما طريقته الجهنمية التي تدغدغ الانا الفردية وهي منح العقود والوكلات التجارية لابناء شيوخ القبائل فعززت قوتهم وسلطتهم على القبيلة والاخطر انهم نجحوا في نقل تقاليد القبيلة الى الدولة والتنافس معها في ممارسة السلطة !وربما الاخطر هو فقدان ابناء الريف والبدو للكثير من تقاليدهم الاصلية واكتسابهم بعض مظاهر العصر الحديث لهذا كانت خياراتهم وانماط تفكيرهم تتسم بالازداوجية والتناقض والتقلب غير المفهوم ! فماذا كانت النتيجة ؟ من النتائج الكارثية لهذا الافساد المنظم لابناء الكثير من شيوخ القبائل بالعقود والامتيارات التجارية ان كثيرين منهم فقدوا قيم الشجاعة والفروسية والصدق والامانة والنخوة وتحولوا الى باحثين عن المال حتى لو كان ثمنه سحق اقرب الناس اليهم والتنازل عن القيم القبلية ! ان عبدالملك الحوثي وجماعته مثلا وهم نفر قليل هزم اولاد شيوخ كانوا يبدون ظاهريا كأباءهم الشجعان لكنهم هزموا بسهولة امام الحوثي ! لان الاولاد انشغلوا بالتجارة وجمع المال فصارت لهم شركات وحسابات مصرفية ضخمة واملاك ،وهذه الاهتمامات البراغماتية هي التي ادت الى اذلالهم من قبل الحوثي! والغرب كان يمنح فرص الاثراء لابناء زعماء القبائل وفقا لخطة مدروسة تقوم على افساهد قيمهم الاصلية دون اكتسابهم جوهر قيم الحضارة الغربية وهو العمل الجاد والتخطيط والانضباط ، ومن ثم اضعاف ابرز القيم القبلية الايجابية ومنها الشجاعة في المواجهة. لقد درس الغرب سايكولوجيا الانسان وتصرف وفقا لنتائج تلك الدراسات وطبقها في العالم الثالث لانه كان يعلم مسبقا ان ازدواجية القيم في المدينة سوف يؤدي الى اضطرابات مهمة وتتحول الى عوامل خطيرة تهدد كيان الدولة والمجتمع فيما لو غابت السلطة القوية، وعندما يحصل ذلك سيؤدي على اضعاف سلطة الدولة وهو ما سيمنع انتقال اليمن من دولة قرون اوسطية الى دولة حديثة. وكان من مظاهر ذلك هو ان جنديا في الجيش اليمني يستطيع التجاوز على ضابط اعلى رتبة منه لانه ابن شيخ بينما الضابط ابن شخص ادنى مرتبة من الشيخ في القبيلة! وكان ذلك احد اهم اسباب دخول اليمن نفق الحرب الحالية! وفي سوريا احد اسباب دعم الغرب والصهيونية لحافظ اسد ،وتمثل ذلك عمليا في حماية نظامه لعدة عقود ، هو اعتماده على ابناء الريف من الطائفة العلوية والنصيريين والذين كانوا فلاحين فقراء فادخل مئات الشباب في الجيش والاجهزة الامنية والتنظيم السياسي الذي انشأه ،فشجعت مخابرات الغرب والموساد توجهات حافظ اسد ومكنته من الانفراد بالحكم اعتمادا على الطائفية وابناء الريف لانهما كانا خير وسيلة ليس فقط لتفتيت حزب البعث العربي الاشتراكي وتحويله الى مجرد اسم لاينطبق على المسمى بل ولشيطنته بممارسات تنتناقض مع هويته الاشتراكية والتقدمية ، وتشويه صورة سوريا المتقدمة والحضرية التقاليد .فهل تجد المخابرات الغربية والصهيونية لتفكيك لحمة المجتمع والدولة افضل من شخص يعتمد على الطائفة وابناء الريف في مجتمع تجاوز الطائفية منذ قرون وصار حضريا ؟ كان طموح حافظ اسد السلطوي اقوى من اي دافع اخلاقي ووطني وانساني فعمل على كسب دعم الغرب والصهيونية بضرب حزب تقدمي من داخله وهي افضل وسيلة لتحييد القوى التقدمية ثم بنشره للطائفية وهو غير المتدين لانها وسيلة ضمان ولاء ضباط من طائفته كانوا فقراء فوجدوا انفسهم يحكمون ويتحكمون واثرياء نتيجة ممارسة كافة انواع الفساد والابتزاز والنهب والاضطهاد. ثم وسع نطاق كسب داعمين له فتخلى عن القضية الفلسطينية بقبول ما سمي ب(الحل السلمي) للصراع العربي الصهيوني واكد حسن نواياه بتسليم الجولان لاسرائيل الغربية دون قتال والتحول الى اعتى عدو لحزب البعث بعد تسلمه السلطة في العراق في عام 1968 . الحقيقة التاريخة البارزة والخطيرة تؤكد ان الدعم الغربي والصهيوني لحافظ اسد كان بسبب اعتماده على الطائفية والفساد داخل سوريا وعلى التخلي عن اهم ثوابت العرب وهو رفض الاعتراف باسرائيل الغربية ومقاومتها بكافة الوسائل بصفتها دولة احتلال ومنع اي وحدة عربية او تضامن عربي فعال . واذا خذنا بنظر الاعتبار ان حافظ اسد استمد قوته داخليا من اعتماده على الطائفية وابناء الريف فان دعم الغرب له كان دعما للطائفية ولثقافة البدوي وابن الريف ضد ثقافة وتقاليد المدينة والحضر. ولعل ابرز الادلة على استخدام الغرب والصهيونية لنظرية ترييف المدينة لخلق الازمات المعقدة والدورية هو انهما في الوقت الذي يتجاهلان هذه الظاهرة تقريبا في سوريا الاسد يركزان عليها في العراق في ظل النظام الوطني رغم ان ابرز الحقائق الميدانية تؤكد بان الترييف في سوريا كان ظاهرة رئيسة وطاغية كانت وراء التحولات الكارثية الكبرى في سوريا ،بينما في العراق كانت ظاهرة هامشية ،ففي سوريا نجحت خطة الغرب والصهيونية في ترييف المدينة بسيطرة ابناء الريف على الدولة خصوصا على اجهزتها الامنية بينما بقي العراق بعيدا عنها لوجود حزب حقيقي متعال على الطائفية والمناطقية حتى وان وجدت بعض الحالات الهامشية والتي يعود وجودها ليس لممارسات قيادة الحزب بل لقوة وجودها في المجتمع . في العراق كان المتحكم بالعملية السياسية والتغييرات الاجتماعية هو الحزب وبالذات الشهيد القائد صدام حسين وهو ،وباعتراف الجميع، وان كان ابن ريف الا انه تمدن بسرعة وقبل الوصول للحكم واخذت تتحكم به تقاليد المدينة وثقافة حزب البعث التقدمية والاشتراكية. ومن كان معه كانوا جميعا متمدنون بما في ذلك من كانت اصولهم ريفية ،ويكفي ان نقرأ اسماء بعض قادة النظام الوطني وقادة اخرين كانوا الرعيل الاول في تأسيس البعث في العراق للتأكد من ذلك وفي مقدمتهم الرفاق عزة ابراهيم وطارق عزيز وطه ياسين رمضان وسعدون حمادي وعلي صالح السعدي وفؤاد الركابي وحازم جواد وفيصل حبيب الخيزران وغيرهم ،وكل هؤلاء ابناء ريف لكنهم تميزوا بانهم تحولوا بصورة طبيعية واكتسبوا تقاليد المدينة مع احتفاظهم بالايجابي من تقاليد الريف والبدو مثل الفروسية والصدق والاخلاص والوفاء ...الخ ، فازدهرت الثقافة والفنون والتنوع في زمن البعث وكان العراق اكبر قارئ مستهلك للكتب التي تطبع في الاقطار العربية اضافة لتحوله الى اكبر ناشر للكتب بكافة انواعها . واعضاء القيادة لم يكن بينهم من يستطيع حتى لو كانت له جذور ريفية او بدوية ان يتجاوز على تقاليد الحزب بينما حافظ اسد احتضن كل انتهازي وهزيل وجعله في قيادة سوريا ونضرب مثلا واحدا يوضح اشكالية الانتهازية عندما تصبح قيادة : فعبدالله الاحمر الامين العام المساعد في تنظيم حافظ اسد وابنه بشار خرج متظاهرا ضد انقلاب حافظ اسد واعتقل وخير بين ان يكون امينا عاما مساعدا في حزب حافظ او يرمى في السجن فقبل ان يكون نائبا لحافظ وترك رفاقه يموتون في سجون حافظ تعفنا! ومن صار نائبا لاسد تتحكم فيه نوازع الانانية والتمحور حول الذات وهي من سمات هوامش البدو والريف الذين فقدوا الخيط والعصفور ، وهكذا فمن انخرط في تنظيم حافظ اسد يتميز بالانتهازية وهزال الجذور ، مقابل قادة البعث في العراق الذين استشهدوا بعد الغزو رافضين التنازل عن عقيدتهم . فهل تنطبق على العراق نظرية ترييف المدينة التي روجها كثيرون عن جهل او نتيجة الموضة السائدة او بسوء نية ام ان العكس هو الذي فرض نفسه فنجح مناضلوا البعث بالدمج بين افضل ما في تقاليد الريف والبدو وهي الشجاعة والوفاء وبين افضل تقاليد المدينة ومنها التنظيم الصارم والعقلانية والتفكير الستراتيجي ؟ يتبع . 

Almukhtar44@gmail.com

24-4-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق