البعث الخالد .. الرقم الأصعب
جومرد حقي إسماعيل
قد تبدو أن نشأة حزب البعث العربي الاشتراكي تتشابه من حيث الفكر الثوري ونشأة باقي الأحزاب التي كانت تعمل على ساحات هنا أو هناك من الوطن العربي ، بل ومن تلك الأحزاب من ذهبت في العمل التنظيمي إلى خارج ساحتها القطرية التي نشأت فيها وعليها وبمديات مختلفة ، بيد أن حزب البعث قد نشأة بعد دراسة تمحيصية تفحصية لحاجة الأمّة إلى فكر ثوري ينبت في ومن أعماق جذور الأمّة الممتدة عبر التأريخ لآلاف من السنين حيث حضارتها الشاهدة على حضارات الأمم ، من هنا كانت عمق الدراسة التي تولد عنها فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ، حيث وقد جسدت حقيقة معاناة وتطلعات الأمّة العربية للخلاص من التشتت وبلوغ الحرية وبناء الإنسان العربي وبما ينسجم وتأريخه الحضاري الذي أشاع بعلومه وفكره على العالم بأسره ، فكان مناراً تهتدي به باقي الأمم ، وأن للبعث طريق خاص في الاشتراكية جسدت حقيقة العدالة الاجتماعية والمساواة في المواطنة وجعل نقطة شروع واحدة لانطلاق الشعب العربي في الحياة وبناء مستقبله على مر الأجيال المتعاقبة .
هكذا تلاقف الشعب العربي فكر البعث الثوري واندمج معه ليكوّن انتشاراً سريعاً وواسعاً في الوسط الجماهيري على عموم ساحات الوطن العربي ، ذلك الانتشار الذي لم يبلغه حزب قومي من قبل وإن كان يحمل نصاعة فكرية وثورية العمل بين الجماهير ، إلا أن حدود تواجده في ساحات الأمّة كان محدوداً بسبب قصور الأهداف تارة ، وأخرى افتقاد الأهداف إلى الروابط الجدلية وكذا الحال بالنسبة لشعارات الأحزاب التي تميزت في بعضها بالجمود الزمني وأخرى قصورها في إرواء العطش الفكري للجماهير العربية ، فكان البعث العظيم مجسداً بفكره وشعاره وأهدافه حقيقة مطلب الجماهير العربية وتطلعاتها في الزمن الذي بدأت مؤامرات أعداء الأمّة تشتد وقد تجسدت في الإيغال بالتوطين الصهيوني وبسط الهيمة الصهيونية على أرض فلسطين المحتلة وتنامي رقعة اتساعها مع مرور الأيام بدعم بريطاني – أمريكي مباشر وبتعاون عدد من الدول الأوربية خاصة تلك التي لها تأريخ استعماري في وطننا العربي .
مقدمتنا هذه تفتح الباب لنا لنرى صورة الأمّة العربية عموماً والعراق خصوصاً في ظل تداعي أعداء الأمّة على قصعة الشعب العربي وحريته واستهداف كرامته وضرب أمنه وأمانه ، ذلك ، فإننا نرى يومنا هذا تعدد الأحزاب التي تدعي الوطنية سواء القطرية أو القومية منها ، وانحسار عدد من الأحزاب ذوات التأريخ النشأوي القديم ، ناهيك عن تلك التي غادرت ساحة العمل السياسي أو تلك التي اصطفت مع أعداء الأمّة لتتحول أهدافها إلى السلطوية والنفوذ والسحت على حساب الشعب العربي ، وكل ذلك قد تأتى بسبب هشاشة قاعدة أهدافها وشعاراتها التي تسببت في اتساع الفجوة والهوّة , بينها وبين الجماهير العربية ، أحزاب تهرأت استراتيجياتها وتكسرت تكتيكاتها مع مرور الزمن لتتحول إلى أحزاب منحسرة ضرب الشعب العربي سور بينه وبينها ، في ذات الوقت وجد الشعب العربي ضالته في فكر البعث الثوري وتوافق صميمي مع أهدافه وشعاراته وثبات منهجه العقائدي باتجاه وحدة الأمّة وحريتها وحُسن معاشها ، فأخذت قاعدة البعث الخالد بالانتشار والاتساع لتستقر في ضمير ووجدان كل عربي حر أبي .
لقد كان استلام البعث للسلطة في العراق وسيلة ناجعة لإثبات توافق فكره الثوري مع واقع عمله السياسي ، وقد جسدت كل خطواته حقيقة مطامح الشعب العربي عندما يُنظر إلى الشعب العراقي وما قد توفر له من معاني الحياة الحرة الكريمة التي يتتوق لها كل عربي في هذه الأمّة ، حتى أن الكثير من قرارات البعث العظيم في دولته المباركة على الأرض العراقية قد كانت تأخذ بنظر الاعتبار شموليتها في بلوغ منافعها لكل فرد في وطننا العربي الكبير .
اليوم ، نسمع الكثير من دعوات قوى وطنية إلى تكتلات سياسية وغير سياسية تدعو إلى تحرير العراق وإنقاذه من الهيمنة الفارسية المجوسية وحكومة الاحتلال الصفوية العميلة ، ثم أخبار من هنا وهناك على عزم راعية غزو العراق واحتلاله " أمريكا " في إيجاد البدائل لتغيير هذه الحكومة الصفوية التي نصبتها على رقاب العراقيين في عام ثلاثة وألفين ، وهو عام غزو العراق واحتلاله ، وثمة ، ثورات وانتفاضات جماهيرية هنا وهناك على الساحة العربية تدعو إلى إسقاط أنظمتها ، مضاف إلى ذلك دعوات تحرير فلسطين سوريا والأحواز واليمن والتي ما تزال المعارك مستمرة فيها بين أبنائها البررة وسلطات الاحتلال المباشر وغير المباشر فيها ، ثم أخبار تونس وليبيا ولبنان وموريتانيا ، والصراعات المحتدمة بين الجماهير فيها وحكوماتهم المتهرئة المستسلمة للضغوطات الخارجية ، وأزمة الخلاف الخليجي – الخليجي ليست ببعيدة عن مشهد الواقع العربي المزري .
وعندما ندقق في جماهيرية حزب البعث العربي الاشتراكي في عموم هذه الساحات تتضح لنا أن قاعدته الجماهيرية في كل هذه الأقطار العربية كبيرة وتتسع يوماً بعد يوم على الرغم من قوانين الحظر والملاحقات التي يتعرض لها الحزب في عدد من الأقطار العربية ، بل وأن استهدافه واضح من قبل أعداء العروبة أينما وجد تنظيم البعث وحضور جماهيره الثورية المناضلة ، وإن البعث العظيم يكاد يكون الحزب الوحيد على الساحة العربية الذي تصدى بجهد وجهاد مباشر لاحتلال العراق وموقف ثابت وحازم ضد كل ما تتعرض له الأمّة العربية من الهيمنة والاحتلالات ومحاولات النيل وكسر إرادة الجماهير العربية ، ومن ثوابت البعث أنه رافض ومذ تأسيسه لأية مساومة على حساب مصلحة الأمّة العليا ، لكنه يرتقي بالسياسة الناصعة في حواراته المفتوحة مع كل القوى والأطراف ودول العالم باستثناء الكيان الصهيوني مستنداً في ذلك إلى ثبات جماهيره الثورية وثوابته القومية وقيمه العروبية الأصيلة وبالندّية التي لا ولن تسمح للطرف المقابل امتهان حقوق الأمّة في السلام وتقرير مصيرها ، هكذا هو الطود الشامخ عندما يقف مدافعاً عن قضايا الأمّة المصيرية ، وهذا ما يجعل حضوره فرض ووجوباً لكل من أراد خلاص الأمّة وحريتها وصيانة كرامتها ومجدها التليد .
نقول ، لمن أراد تحرير العراق ، ومن أراد الخلاص من زمرة الحكام المأجورين على مساحات متعددة في وطننا العربي ، ومن أراد تحرير فلسطين والأحواز واليمن وسوريا وغيرها من الأقطار العربية الواقعة تحت هيمنة الإرادة الغربية تتقدمهم أمريكا والصفوية المجوسية بأن حضور البعث في مشاريع التصدي هنا وهناك ترتقي إلى الضرورة الموجبة لضمان كامل الحرية لما يكتنزه البعث الخالد من قيم ومبادئ وثوابت عقائدية وممارسات ثورية وفعل جهادي على الأرض وبما يجعله قائداً جماهيرياً حقيقياً ناظر إلى حياة الشعب العربي الحرّة الكريمة وقد جعل السلطة خلف ظهره إلا إذا أرادت الجماهير ذلك له فإنه حاضر بخبرته القيادية في خدمة جماهير الأمّة وضمان رفعتها وتقدمها بحول الله وقوته ، وهذا ما يميزه تقدماً على باقي الأحزاب والتكتلات السياسية في الساحة العربية عموماً والعراق خصوصاً ، تلك الأحزاب الموسومة بعينها على السلطة وهي لا تمتلك من مقومات القيادة إلا النزر اليسير ، ولذلك نرى أن مشاريعها الوطنية غالباً ما تنتهي تراجعياً إلى ما دون نقطة الصفر أو نقطة الشروع في العمل ( الثوري ) الوطني .
وفيما يتعلق الأمر بالقوى الوطنية العراقية التي في جعبتها مشاريع إنقاذ العراق وتحريره من الاحتلالين وما نقرأه في سياساتها وتحركاتها من شغف سلطوي وهوىً رئاسي ، نقول لهم ، تجردوا من العشق السلطوي ، فجمهور البعث عشرات الملايين داخل العراق وليس لدى البعث اليوم هواجس سلطوية ، غاية البعث تحرير العراق وتأييد قيادة وطنية قادرة على أن تبني العراق وترعى مصالح شعبه ، في الوقت الذي لا يبلغ جمهور هذه القوى في أحسن الأحوال أكثر من ثلاثة ألف عضو لكل فرقة منهم !! ، وأغلب هذه القوى يدرك هذا الأمر جيداً ، فترى البعض منهم إذا ما أراد النجاح لمؤتمر يعقده ويأخذ صدىً إعلامياً واسعاً فإنهم يعلنون أن البعث حاضر فيه !! ، بل وحتى أعداء الأمّة وخاصة حكومة الصفوية العميلة في بغداد إذا بلغهم مؤتمراً ناجحاً يعقده وطنييون عراقييون قالوا عنه " مؤتمر البعثيين " ، وهي دلالة واضحة على أن البعث العظيم قائد حقيقي في مثابات النصر والظفر الثوري ، ورقم صعب يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء .
البعث مع كل جهد وطني يعمل من أجل تحرير العراق وخلاص شعبه من الهيمنة الصفوية المجوسية ، لكن حضور البعث في مثل هذه المؤتمرات والمشاريع هو قراره المستقل وبمحض إرادته بعد أن يقرأ مكنونات هذه التحركات بتدبر وتمحيص عال لغاياتها وثوابتها فيما إذا كانت توافق ثوابت البعث من عدمها .
ومن هنا ، فإننا نرى أن حضور البعث شرط لإنجاح مشاريع تحرير العراق وشرط في حضوره الساحة السياسية بعد تحرير العراق لضمان إدامة روح النصر وحفظ منجز التحرير وسيادة العراق ومشاريع بنائه ، وكذا الحال في عموم الساحة العربية المنتفضة باتجاه الحرية ، فالبعث رقم صعب في معادلة الوحدة العربية وحريتها وعدالتها الاجتماعية ، بل هو الرقم الأصعب في نضال الأمّة وكفاح جماهيرها الأبية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق